الأمم المتحدة: تصاعد تمجيد النازية يهدد القيم الحقوقية ويعزز العنصرية العالمية
خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان
في تقرير أممي جديد ضمن أعمال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والتي تتواصل حتى 9 يوليو الجاري، حذرت المقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب، أشويني ك. ب، من تزايد خطر التوجهات اليمينية المتطرفة التي تتجلى في تمجيد النازية والنازية الجديدة، محذّرة من أن هذا التنامي لا يمثل فقط تحديا للسلام الاجتماعي، بل يقوض بشكل خطير الجهود الدولية لمناهضة كافة أشكال التمييز.
وأشار التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، إلى أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت منابر مركزية لترويج الأيديولوجيات النازية الجديدة، مستفيدة من خوارزميات معقدة تعزز الانتشار السريع للمحتوى المتطرف. ويستعرض التقرير حالات موثقة لخطاب كراهية ممنهج، واستهداف متكرر للأقليات، واستغلال الأحداث السياسية لتأجيج الانقسام المجتمعي.
وأكدت المقررة الأممية أن المنصات الرقمية باتت أرضا خصبة لتغذية «الإرهاب اليميني»، ما يجعل من الضروري تطوير إطار رقابي عالمي فعال، يحمي حرية التعبير، دون أن يسمح باستغلالها لتبرير العنصرية أو تمجيد الرموز الفاشية.
وأبرز التقرير ممارسات خطيرة في عدد من الدول، تشمل تزييف التاريخ، وإنكار جرائم النازية، ورفع رموز عنصرية خلال الفعاليات العامة، بما في ذلك المظاهرات السياسية. كما وثق حالات في دول مثل أرمينيا وأذربيجان وروسيا وصربيا والبرازيل، شهدت حملات خطاب كراهية منظمة، وصلت حد تمجيد زعماء نازيين سابقين، ونشر أفكار تؤكد تفوقا عرقيا معينا أو تبرر القمع العرقي.
وكشف التقرير عن إحياء رموز ومناسبات تاريخية مرتبطة بالنازية، واستغلالها لتأجيج النزعات العنصرية، وهو ما اعتبرته المقررة الأممية تطورا بالغ الخطورة، خاصة حين يجري ذلك برعاية جهات رسمية أو بتواطؤ غير مباشر من مؤسسات الدولة.
واستعرض التقرير مواقف متعددة للدول الأعضاء حيال الظاهرة، حيث أكدت بعض الدول، مثل البرازيل وسويسرا وإسبانيا، على جهودها في مكافحة العنصرية والتحريض على الكراهية، بينما اكتفت دول أخرى بتقارير سطحية لا تعكس عمق الأزمة، وفق توصيف المقررة.
وطرحت دول عديدة، من بينها المغرب ولبنان وكوبا، مبادرات قانونية وتعليمية تهدف إلى تعزيز التسامح وحماية التعددية الثقافية، فيما طالبت أخرى بوضع ضوابط قانونية أكثر صرامة لمواجهة خطاب الكراهية، سواء في الفضاء الواقعي أو الرقمي.
سلط التقرير الضوء على تفشي معاداة السامية في عدد من السياقات، مشيرا إلى حوادث حرق كنائس ومعابد يهودية، وتهديدات عنصرية عبر الإنترنت، وتقييد وصول المهاجرين والأقليات العرقية إلى الحقوق والخدمات. وأكد أن هذه الانتهاكات لا تأتي بمعزل عن الأيديولوجيات النازية الجديدة، بل تمثل امتدادا لها، ما يجعل مكافحتها ضرورة حقوقية عاجلة.
وشددت المقررة على أن إحياء الأيديولوجيات الفاشية، حتى وإن جاء في شكل رمزي أو ثقافي، يحمل خطرا استراتيجيا على السلم الأهلي، ويزيد من هشاشة المجتمعات الديمقراطية.
ودعت المقررة الخاصة إلى تبني تشريعات وطنية شاملة تجرم بوضوح تمجيد النازية والنازية الجديدة، وتضمن ملاحقة التحريض على الكراهية ومعاداة السامية، باعتبارها جرائم لا تسقط بالتقادم.
كما أوصت بضرورة تدريب موظفي الدولة، بمن فيهم رجال الأمن والقضاة، على فهم دقيق لجرائم الكراهية وأشكالها المعاصرة، وتعزيز المناهج التعليمية بمضامين تكرس قيم التعددية والتسامح وحقوق الإنسان، وتتصدى للمعلومات المضللة المرتبطة بالفاشية والنازية.
وأكد التقرير أهمية دعم المبادرات الإعلامية والمجتمعية التي تواجه خطاب الكراهية، إلى جانب وضع ضوابط على المحتوى الرقمي يضمن الحماية من المواد التي تمجد العنف أو تروج لأيديولوجيات الإقصاء.
وطالب التقرير بأن تلتزم الأمم المتحدة بتنفيذ خطة عملها لمناهضة معاداة السامية، وتقديم الدعم الفني والتقني للدول الأعضاء في بناء قدراتها التشريعية والمؤسسية في هذا المجال. كما دعا إلى تكثيف التعاون الدولي، وتبادل الممارسات الفضلى بين الدول، وتقديم المساعدة للدول التي تعاني من تصاعد مظاهر التطرف العنصري.
وشددت المقررة على أن مواجهة النازية الجديدة تتطلب جهدا جماعيا يتجاوز البيانات الرمزية إلى سياسات ملموسة، تستند إلى مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.
واختُتم التقرير بالتنبيه إلى أن التراخي في مواجهة النازية الحديثة، بمسمياتها المختلفة، يعني فتح الباب أمام موجة جديدة من الانقسامات والاضطرابات الاجتماعية، التي قد تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.
وأكدت المقررة الأممية أن الحفاظ على مكتسبات حقوق الإنسان يتطلب الحسم في مواجهة جميع الأيديولوجيات التي تقوم على الكراهية والتفوق العرقي، مضيفة أن الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان تمثل فرصة حقيقية لإعادة التأكيد على هذا الالتزام الدولي المشترك.